فصل: شروط وجوب النفقة على الأقارب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.مقدار النفقة الواجبة:

يجب على الزوج أن ينفق على زوجته ما يكفيها، وذلك يختلف بحسب حال الزوج من اليسر والعسر، وباختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
والواجب كسوتها صيفاً وشتاءً.. وإسكانها في منزل خاص بها.. وإطعامها حسب الحال والكفاية.. وعلاجها إذا مرضت.
ويراعى في مقدار النفقة حال الزوج من اليسر والعسر مهما كانت حالة الزوجة.
ويصح أن تكون النفقة عيناً من طعام وكسوة ومسكن ونحو ذلك، ويصح أن تُفرض قيمتها نقداً تُدفع إليها لتشتري به ما تحتاج إليه، ويصح أن تُفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب حال الزوج، يسراً وعسراً.
ودَيْن النفقة يعتبر ديناً صحيحاً في ذمة الزوج لزوجته لا يسقط إلا بأدائه للزوجة، أو إبراء الزوجة له.
وتجب النفقة للمطلقة الرجعية، والمعتدة الحامل، ولا نفقة للمطلقة البائن إلا إن كانت حاملاً.
1- قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [6]} [الطلاق:6].
2- وقال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [7]} [الطلاق:7].
3- وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ أبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا البَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَأرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَالله! مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ». فَأمَرَهَا أنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قال: «تِلْكِ امْرَأةٌ يَغْشَاهَا أصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي». قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أنَّ مُعَاوِيَةَ ابْنَ أبِي سُفْيَانَ، وَأبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ، عَنْ عَاتِقِهِ، وَأمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، لا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ». فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قال: «انْكِحِي أُسَامَةَ». فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً، وَاغْتَبَطْتُ. أخرجه مسلم.

.نفقة زوجة الغائب:

إذا كان الزوج غائباً، وله مال معلوم، أنفق على زوجته منه بأمر القاضي.
وإن لم يكن للزوج الغائب مال معلوم، أو كان بعيد الغَيْبة لا يسهل الوصول إليه، أو كان مجهول المحل، أو كان مفقوداً، وثبت أنه لا مال له تنفق منه الزوجة، فللزوجة الحق في طلب الطلاق منه، فيطلق عليه القاضي بعد أن يضرب له أجلاً.

.حكم التقصير في النفقة:

يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف حسب يسره وعسره.
فإن كان الزوج بخيلاً لا يقوم بكفاية زوجته، أو أنه تركها بلا نفقة بغير حق، فلها الحق أن تطلب من القاضي فرض ما يكفيها من نفقة الطعام والكسوة والمسكن.
وإن منع الزوج الواجب عليه من النفقة فلزوجته أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ». متفق عليه.

.أحوال الإنفاق على الزوجة:

للزوجة مع زوجها عند الإنفاق سبع حالات هي:
1- يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بما يصلح لمثلها، وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال والعادات، وحال الزوج وعسره.
2- يجب على الزوج نفقة زوجته المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها، لكن لا قسم لها.
3- الزوجة البائن بفسخ أو طلاق لها النفقة إن كانت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها ولا سكنى.
4- الزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إن كانت حاملاً، فإن كانت حاملاً وجبت نفقتها من نصيب الحمل من التركة، فإن لم يكن له مال فعلى وارثه الموسر.
5- إذا نشزت المرأة، أو حُبست عن زوجها، سقطت نفقتها إلا أن تكون حاملاً.
6- إذا غاب الزوج، ولم ينفق على زوجته، لزمه نفقة ما مضى.
7- للزوجة طلب الفسخ من الزوج إذا أعسر بالنفقة، فإن غاب ولم يدع لها نفقة، أو تعذر أخذها من ماله، فلها الفسخ منه بإذن الحاكم.
عَنْ جَابِرِ بنِ عَبدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في حديث حجة الوداع... –وفيه-: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «... فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانِ الله، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ الله، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحَداً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ». أخرجه مسلم.

.حكم النفقة على الأصول والفروع:

يجب على الإنسان الإنفاق على والديه حتى ذوي الأرحام منهم، وتُقدم الأم على الأب في البر والنفقة.
ويجب عليه الإنفاق على أولاده وإن سفلوا حتى ذوي الأرحام منهم، ولا تجب النفقة على الأصول والفروع إلا إن كان المنفق غنياً، والمنفق عليه فقيراً، والوالد تجب عليه نفقة ولده كاملة ينفرد بها.
1- قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233].
2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ». متفق عليه.

.حكم نفقة الأم على أولادها:

عَنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ألِيَ أجْرٌ أنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أبِي سَلَمَةَ، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ فَقال: «أنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أجْرُ مَا أنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ». متفق عليه.

.حكم النفقة على الأقارب:

تجب النفقة على كل من يرثه المنفق بفرض أو تعصيب.
قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233].

.شروط وجوب النفقة على الأقارب:

يشترط لوجوب النفقة على القريب من غير الأصول والفروع ما يلي:
أن يكون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه.. وأن يكون المنفَق عليه فقيراً.. وأن يكون المنفِق غنياً.. وأن يكون دينهما واحداً.

.حكم النفقة على ما يملكه الإنسان:

تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من البهائم والطيور ونحوها، فيقوم بإطعامها وسقيها وما يصلحها، ولا يُحمِّلها ما تعجز عنه.
فإن عجز عن نفقتها أُجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت مما يؤكل.
ولا يجوز ذبح البهائم المريضة والكبيرة للإراحة، بل عليه أن يقوم بما يلزمها، أو يطلقها لغيره إن عجز عن القيام بما يلزمها.
عَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالمَرْءِ إِثْماً أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ». أخرجه مسلم.

.حكم رصد النفقة للمستقبل:

يجوز للإنسان أن يحبس لأهله قوت سنة لسد حاجتهم.
عَنْ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: كَانَتْ أمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ؟، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاحِ وَالكُرَاعِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ الله. متفق عليه.

.مقدار النفقة:

إنفاق الولد على والده وإنفاق الوالد على ولده يكون على قدر الكفاية، وسد الحاجة، لا على قدر الميراث، وكل ما سوى الأصول والفروع تكون النفقة على قدر الميراث من القريب، ومن كان له ابن فقير، وأخ موسر، وعكسه، فينفق على المحتاج كأن الآخر غير موجود.
ولا نفقة مع اختلاف دين؛ لأن اختلاف الدين يمنع الإرث، ويمنع النفقة.
ويستثنى في الإنفاق نوعان:
الأول: المملوك: فتجب نفقته ولو كان كافراً.
الثاني: الوالدان: فينفق على والديه ولو كانا كافرين؛ لأنه من الإحسان إليهما، والبر بهما.
1- قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [15]} [لقمان: 15].
2- وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنهَا قَالتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أفَأصِلُ أمِّي؟ قال: «نَعَمْ، صِلِي أمَّكِ». متفق عليه.

.17- النشوز:

نشوز الزوجة: هو معصية الزوجة لزوجها فيما يجب عليها.
نشوز الزوج: هو جفوة الزوج لزوجته، وإعراضه عنها.

.أساس النشوز:

النفوس مجبولة على الحرص على الحق الذي لها، وعدم الرغبة في بذل ما عليها، وبذلك تصعب الحياة وتفسد، ويقع النشوز، وتعلن راية العصيان، وتتمزق أواصر العلاقة بين الزوج وزوجه.
ولكي تصلح الأمور بين الزوجين لابد من قلع هذا الخلق الدنيء، واستبداله بضده، وهو السماحة ببذل الحق الذي عليك، والقناعة ببعض الحق الذي لك.

.أمارات النشوز:

نشوز الزوجة إما أن يكون بالقول، أو الفعل، أو بهما معاً، والكل محرم.
فالنشوز بالفعل كالإعراض عن الزوج، والعبوس في وجهه، وعدم طاعته فيما يجب، والتثاقل والامتناع إذا دعاها لفراشه.
والنشوز بالقول كأن ترفع صوتها عليه، أو تجيبه بشدة، أو بكلام خشن، أو تسبه وترميه بما ليس فيه ونحو ذلك.
والكل مذموم، والجمع بينهما يجعل المرأة ناراً لا يمكن الاقتراب منها، أو الاستمتاع بها.

.أقسام الزوجات:

الزوجات قسمان:
1- المرأة الصالحة: وهي المطيعة لربها وزوجها، وهذه لا تحتاج إلى تأديب.
2- المرأة غير الصالحة: وهي التي تخل بحقوق الزوجية، وهي الناشز التي تعصي زوجها، فهذه تحتاج إلى تأديب لتكون صالحة.
قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [34]} [النساء:34].

.ميثاق الزواج:

الزواج في الإسلام ميثاق غليظ، وعهد متين، ربط الله به بين رجل وامرأة، فأصبح كل منهما يسمى زوجاً بعد أن كان فرداً، وقد جعل الله كل واحد من الزوجين موافقاً للآخر، ملبياً لحاجاته الفطرية والنفسية والعقلية والجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار.
ويحصل لهما بهذا الاجتماع السكن والمودة والرحمة، وتلبية رغائب كل منهما في الآخر.
وقد عني الإسلام بهذه الرابطة الكريمة عناية فائقة، لتثمر أسرة صالحة، وحياة سعيدة، فأمرهما بحسن المعاشرة، وجميل الصبر، وحسن الخلق.
فإذا طرأ على هذه الحياة السعيدة ما يغير جوها، ويمزق شملها، فقد أرشد الإسلام إلى تصفية الجو بما يُصلح حال الزوجين.
1- قال الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [20] وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [21]} [النساء:20- 21].
2- وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [21]} [الروم:21].

.كيفية علاج نشوز الزوجة:

يعالج نشوز الزوجة على التدريج بأمور:
الأول: الوعظ والإرشاد:
فإذا ظهر من الزوجة أمارات النشوز كأن لا تجيبه إلى الفراش أو الاستمتاع، أو تجيبه متبرمة أو متكرهة أو عابسة، فهذه يعظها ويخوفها بالله عز وجل، ويبين لها فضائل الطاعة، وحسن المعاشرة، وعقوبة المعصية؛ لئلا يستفحل الأمر.
والموعظة عمل تهذيبي مؤثر، وهو أول واجب، ولكنه قد لا ينفع مع بعض النساء لهوىً في النفس، أو استعلاء بمال، أو جمال، أو جاه ونحو ذلك مما ينسي الزوجة أنها شريكة في حياة، وليست نداً في صراع.
الثاني: الهجر في الفراش:
والهجر حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تدلي به المرأة من جمال أو افتخار، وإذا كان في المضجع فهو علاج نفسي بالغ، يفوِّت عليها السرور والاستمتاع الذي هو عندها من أصعب الأمور.
ومكان الهجر في المضجع فقط، فلا يجوز للزوج أن يهجر زوجته أمام الأطفال؛ لئلا يورث نفوسهم الشر والقلق، ولا أن يهجرها أمام الناس؛ لئلا يذلها ويهين كرامتها فتزداد نشوزاً وإصراراً، يهجرها في المضجع ما شاء، ويهجرها في الكلام مدة لا تزيد على ثلاثة أيام.
وقد لا تنفع هذه الخطوة مع بعض النساء الناشزات، فينتقل إلى ما بعدها إن أصرت على النشوز.
الثالث: الضرب غير المُبَرِّح:
والضرب إجراء ودواء يُلجأ إليه عند الضرورة، وهو وإن كان أعنف من الهجر فهو أهون وأصغر من تحطيم بيت الزوجية بالفراق بسبب النشوز، والإصرار عليه.
فإذا أصرت على النشوز ضربها ضرباً غير شديد ولا شائن، ويجتنب أثناء الضرب الوجه تكرمة له، ويجتنب أماكن الجمال؛ لئلا يشوهها، ويجتنب البطن وما يخشى منه الموت.
وهذا الضرب ضرب تأديب مصحوب بعاطفة المؤدب المربي، الذي يزاوله الوالد مع أولاده، فليس ضرب تعذيب للانتقام والتشفي، ولا ضرب إهانة للتحقير والإذلال، ولا ضرب قسر للإرغام على معيشة لا ترضاها.
ويكون الضرب غير المبرح باليد على كتفها، أو بعصاً خفيفة، أو بسواك ونحوه؛ لأن القصد التأديب لا التعذيب.
1- قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [34]} [النساء:34].
2- وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ». متفق عليه.
3- وَعَنْ عَبْدالله بن زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ... وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ». متفق عليه.
4- وَعَنْ أبِي بُرْدَةَ الأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أسْوَاطٍ إِلا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله». متفق عليه.
5- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أصْبَحْنَا يَوْماً وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْكِينَ، عِنْدَ كُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ أهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: «لا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْراً». فَمَكَثَ تِسْعاً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ. أخرجه البخاري.
الرابع: الإصلاح بينهما بواسطة الحكمين:
إذا تعذر إصلاحها بهذه الوسائل، وأصرت على نشوزها وسوء عشرتها، أو ادعى كل من الزوجين ظلم صاحبه له ولا بينة لهما، بعثنا إليهما حَكَمين، مسلمين، ذكرين، عدلين، فقيهين، حَكَماً من أهله، وحَكَماً من أهلها، ليكون أقرب للتوفيق والإصلاح بينهما، ينويان الإصلاح، ويلطِّفا القول، ويرغِّبا ويخوفا كلا الزوجين.
والحَكَمان وكيلان عن الزوجين، فلا يملكان تفريقاً إلا بإذن الزوجين، ولهما أن يفعلا ما فيه مصلحة الزوجين من جمع أو تفريق.
1- قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [35]} [النساء:35].
2- وقال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [114]} [النساء:114].
الخامس: التفريق إذا تعذر الإصلاح:
إذا لم يحصل الجمع بين الزوجين، وتعذر الإصلاح والتوفيق بينهما، أجبر الحاكم الزوج على خلعها أو فسخها أو طلاقها بعوض أو بدون عوض؛ لأنه تعذر الإصلاح، فلم يبق إلا الطلاق، فلا ضرر ولا ضرار.
1- قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [229]} [البقرة:229].
2- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ، قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». أخرجه البخاري.